الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الألوسي: الخطاب في قوله تعالى: {لا تحرك به لِسانك} للنبي صلى الله عليه وسلم والضمير للقرآن لدلالة سياق الآية نحو {انا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي من قبل أن يقضى إليك وحيه {لِتعْجل به} أي لتأخذه على عجلة مخافة أي ينفلت منك على ما يقتضيه كلام الحبر وقيل لمزيد حبك له وحرصك على أداء الرسالة وروي عن الشعبي ولا ينافي ما ذكر والباء عليهما للتعدية.{إِنّ عليْنا جمْعهُ} في صدرك بحيث لا يذهب عليك شيء من معانيه {وقُرْءانهُ} أي إثبات قراءته في لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرآن هنا وكذا فيما بعد مصدر كالرجحان بمعنى القراءة كما في قوله:مضاف إلى المفعول وثم مضاف مقدر وقيل قرآنه أي تاليفه والمعنى ان علينا جمعه أي حفظه في حياتك وتأليفه على لسانك وقيل قرآنه تأليفه وجمعه على أنه مصدر قرأت أي جمعت ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد ما قرأت سلى قط وقول عمرو بن كلثوم: ويراد من جمعه الأول جمعه في نفسه ووجوده الخارجي ومن قرآنه بهذا المعنى جمعه في ذهنه صلى الله عليه وسلم وكلا القولين لا يخفى حالهما وان نسب الأول إلى مجاهد.{فإِذا قرآناه} أن اتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام المبلغ عنافا فالاسناد مجازي وفي ذلك مع اختيار نون العظمة مبالغة في إيجاب التأتي {فاتبع قُرْءانهُ} فكن مقفيا له لا مباريا وقيل أي فإذا قرآناه فاتبع بذهنك وفكرك قرآنه أي فاستمع وأنصت وصح هذا من رواية الشيخين وغيرهما عن ابن عباس وعنه أيضا وعن قتادة والضحاك أي فاتبع في الأوامر والنواهي قرآنه وقيل اتبع قرآنه بالدرس على معنى كرره حتى يرسخ في ذهنك.{ثُمّ إِنّ عليْنا بيانهُ} أي بيان ما أشكل عليك من معانيه وأحكامه على ما قيل واستدل به القاضي أبو الطيب ومن تابعه على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لمكان ثم وتعقب بأنه يجوز أن يراد بالبيان الاظهار لا بيان المجمل وقد صح من رواية الشيخين وجماعة عن الحبر انه قال في ذلك ثم ان علينا أن نبينه بلسانك وفي لفظ علينا أن تقرأه ويؤيد ذلك أن المرادبيان جميع القرآن والمجمل بعضه.{كلّا بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة (20)}{كلاّ} ارشاد لرسوله صلى الله عليه وسلم وأخذ به عن عادة العجلة وترغيب له عليه الصلاة والسلام في الاناة وبالغ سبحانه في ذلك لمزيد حبه إياه باتباعه قوله تعالى: {وتذرُون الآخرة} تعميم الخطاب للكل كأنه قيل بل أنتم يا بني آدم لما خلقتم من عجل وجبلتم عليه تجعلون في كل شيء ولذا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ويتضمن استعجالك لأن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة وفيه أيضا أن الإنسان وان كان مجبولا على ذلك إلا أن مثله عليه الصلاة والسلام ممن هو في أعلى منصب النبوة لا ينبغى أن يستفزه مقتضى الطباع البشرية وأنه إذا نهى صلى الله عليه وسلم عن العجلة في طلب العلم والهدى فهؤلاء ودينهم حب العاجلة وطلب الردى كأنهم نزلوا منزلة من لا ينجع فيهم النهي فإنما يعابت الأديم ذو البشرة ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه: {بلْ يريد الإنسان ليفجر أمامهُ} [القيامة: 5] فإنه ملوح إلى معنى بل تحبون إلخ وقوله عز وجل: {لا تحرك} إلخ متوسط بين حبي العاجلة حبها الذي تضمنه {بل يريد} تلويحا وحبها الذي آذن به بل تحبون تصريحا لحسن التخلص منه إلى المفاجأة والتصريح ففي ذلك تدرج ومبالغة في التقريع والتدرج وان كان يحصل لو لم يؤت بقوله سبحانه: {لا تحرك} إلخ في البين أيضا إلا أنه يلزم حينئذ فوات المبالغة في التقريع وانه إذا لم تجز العجلة في القرآن وهو شفاء ورحمة فكيف فيما هو فجور وثبور ويزول ما أشير إليه من الفوائد فهو استطراد يؤدي مؤدى الاعتراض وأبلغ وأطلق بعضهم عليه الاعتراض وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ومجاهد والحسن وقتادة والجحدري {يحبون} {ويذرون} بياء الغيبة فيهما وأمر الربط عليها كما تقدم وهي أبلغ من حيث أن فيها التفاتا وإخراجا له عليه الصلاة والسلام من صريح الخطاب بحب العاجلة مضمنا طرفا من التوبيخ على سبيل الرمز لطفا منه تعالى شأنه في شأنه صلى الله عليه وسلم وأما القراءة بالتاء ففيها تغليب المخاطب والالتفات وهو عكس الأول هذا خلاصة ما رمز إليه جار الله على ما أفيد وقد أندفع به قول بعض الزنادقة وشرذمة من قدماء الرافضة أنه لا وجه لوقوع {لا تحرك به لسانك} إلخ في أثناء أمور الآخرة ولا ربط في ذلك بوجه من الوجوه وجعلوا ذلك دليلا لما زعموه من أن القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص منه وللعلماء حماة المسلمين وشهب سماء الدين في دفع كلام كثير منه ما تقدم وللإمام أوجه فيه منها الحسن ومنها ما ليس كذلك بالمرة وقال الطيبي إن قوله تعالى: {كلا بل تحبون العاجلة} متصل بقوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} أي يقال للإنسان عند القاء معاذيره كلا أن أعذارك غير مسموعة فإنك فجرت وفسقت وظننت أنك تدوم على فجورك وان لا حشر ولا حساب ولا عقاب وذلك من حبك العاجلة والاعراض عن الآخرة وكان من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا لقن القرآن ان ينازع جبريل عليه السلام القراءة وقد اتفق عند التلقين للآيات السابقة ما جرت به عادته من العجلة فلما وصل إلى قوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 15] أوحي إليّ جبريل عليه السلام بأن يلقى إليه عليه الصلاة والسلام ما يرشده إلى أخذ القرآن على أكمل وجه فألقى تلك الجمل على سبيل الاستطراد ثم عاد إلى تمام ما كان فيه بقوله تعالى: {كلا بل تحبون} إلخ مثاله الشيخ إذا كان يلقن تلميذه درسا أو يلقى إليه فصلا ورآه في أثناء ذلك يعجل ويضطرب يقول له لا تعجل ولا تضطرب فإني إذ فرغت إن كان لك إشكال أزيله أو كنت تخاف فوتا فأنا أحفظه ثم يأخذ الشيخ في كلامه ويتممه انتهى.فما في البين مناسب لما وقع في الخارج دون المعنى الموحى به وخصه بعضهم لهذا بالاستطراد وأطلق آخر عليه الاعتراض بالمعنى اللغوي وهذا عندي بعيد لم يتفق مثله في النظم الجليل ولا دليل لمن يراه على وقوع العجلة في أثناء هذه الآيات سوى خفاء المناسبة وقال أبو حيان يظهر أن المناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنه سبحانه لما ذكر منكر القيامة والبعث معرضا عن آيات الله تعالى ومعجزاته وانه قاصر شهواته على الفجور غير مكترث بما يصدر منه ذكر حال من يثابر على تعلم آيات الله تعالى وحفظها وتلقنها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها رجاء قبوله إياها ليظهر بذلك تباين من يرغب في تحصيل آيات الله تعالى ومن يرغب عنها وبضدها تتبين الأشياء. انتهى.وفيه ان هذا إنما يحسن بعد تمام ما يتعلق بذلك المنكر والظاهر أن {لا تحرك} [القيامة: 16] إلخ وقع في البين وقال القفال قوله تعالى: {لا تحرك} إلخ خطاب للإنسان المذكور في قوله تعالى: {ينبؤ الإنسان} [القيامة: 13] وذلك حال إنبائه بقبائح أفعاله يعرض عليه كتابه فيقال له {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: 14] فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فقيل له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وان نقرأها عليك فإذا قرآناه عليك فاتبع قراءته بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال أو التأمل فيه ثم إن علينا بيانه أي بيان أمره وشرح عقوبته والحاصل على هذا أنه تعالى يوقف الكافر على جميع أعماله على التفصيل وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة انتهى.فضمير {به} وكذا الضمائر بعد للكتاب المشعر به قوله تعالى ينبؤ الإنسان بما قدم وأخر وكذا قوله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصِيرة} [القيامة: 14] على قول من تفسير البصِيرة بالكتابين ولعل الجملة على هذا الوجه في موضع الحال من مرفوع ينبؤ بتقدير القول كأنه قيل ينبؤ الإنسان يومئذ عند أخذ كتابه بما قدم وأخر مقولا له لا تحرك به لسانك إلخ فالربط عليه ظاهر جدا ومن هنا اختاره البلخي ومن تبعه لكنه مخالف للصحيح المأثور الذي عليه الجمهور من أن ذلك خطاب له صلى الله عليه وسلم والظاهر أن التحريك قبل النهي إنما صدر منه عليه الصلاة والسلام بحكم الإباحة الأصلية فلا يتم احتجاج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية وقال الإمام لعل ذلك الاستعجال إن كان مأذونا فيه عليه الصلاة والسلام إلى وقت النهي وكأنه أراد بالإذن الاذن الصريح المخصوص وفيه بعدما وعن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك وشق عليه فنزل {لا تحرك به} إلخ وليس بالثبات ولعل ظاهر الآية لا يساعده ثم أنه ربما تخيل في الآية وجه غير ما ذكر عن القفال الربط عليه ظاهر أيضا وهو أنه يكون الخطاب في {لا تحرك} إلخ لسيد المخاطبين حقيقة أو من باب إياك أعني واسمعي أو لكل من يصلح له وضمير به ونظائره ليوم القيامة والجملة اعتراض جيء به لتأكيد تهويله وتفظيعه مع تقاضي السباق له فكأنه لما ذكر سبحانه مما يتعلق بذلك اليوم الذي فتحت السورة بإعظامه ما يتعلق قوي داعي السؤال عن توقيته وأنه متى يكون وفي أي وقت يبين لاسيما وقد استشعر أن السؤال عن ذلك إذا لم يكن استهزاء مما لا بأس به فقيل {لا تحرك به} أي بطلب توقيته لسانك وهو نهي عن السؤال على أتم وجه كما يقال لا تفتح فمك في أمر فلان لتعجل به لتحصل علمه على عجلة إن علينا جمعه ما يكون فيه من الجمع وقرآنه ما يتضمن شرح أحواله وأهواله من القرآن فإذا قرآناه قرآنا ما يتعلق به فاتبع قرآنه بالعمل بما يقتضيه من الاستعداد له ثم إن علينا بيانه اظهاره وقوعا بالنفخ في الصور وهو الطامة الكبرى وحاصله لاتسال عن توقيت ذلك اليوم العظيم مستعجلا معرفة ذلك فإن الواجب علينا حكمة حشر الجمع فيه وإنزال قرآن يتضمن بيان أحواله ليستعد له وإظهاره بالوقوع الذي هو الداهية العظمى وما عدا ذلك من تعيين وقته فلا يجب علينا حكمة بل هو مناف للحكمة فإذا سألت فقد سألت ما ينافيها فلا تجاب. انتهى.وفيه ما فيه وما كنت أذكره لولا هذا التنبيه واللائق بجزالة التنزيل ولطيف إشاراته ما أشار إليه ذو اليد الطولى جار الله تجاوز الله تعالى عن تقصيراته فتأمل فلا حجر على فضل الله عز وجل ولما ردع سبحانه عن حب العاجلة وترك الأخرة عقب ذلك بما يتضمن تأكيد هذا الردع مما يشير إلى حسن عاقبة حب الآخرة وسوء مغبة العاجلة فقال عز من قائل: {وُجُوهٌ يوْمئِذٍ نّاضِرةٌ} أي وجوه كثيرة وهي وجوه المؤمنين المخلصين يوم إذ تقوم القيامة بهية متهللة من عظيم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم على أن {وجوه} مبتدأ و{ناضرة} خبره و{يومئذ} منصوب بـ: {ناضرة} و{ناظرة} في قوله تعالى: {إلى ربها ناظِرةٌ} خبر ثان للمبتدأ أو نعت لـ: {ناضرة} و{إلى ربها} متعلق بـ: {ناظرة} وصح وقوع النكرة مبتدأ لأن الموضع موضع تفصيل كما في قوله: لا على أن النكرة تخصصت بـ: {يومئذ} كما زعم ابن عطية لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثث ولا على أن {ناضرة} صفة لها والخبر {ناظرة} كما قيل لما أن المشهور الغالب كون الصفة معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع وثبوت النظرة للوجوه ليس كذلك فحقه أن يخبر به نعم ذكر هذا غير واحد احتمالا في الآية وقال فيه أبو حيان هو قول سائغ ومعنى كونها ناظرة إلى ربها انها تراه تعالى مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه ولا حجر على الله عز وجل وله جل وعلا لتنزه الذاتي التام في جميع تجلياته واعترض بأن تقديم المعمول يعني إلى ربها يفيد الاختصاص كما في نظائره في هذه السورة وغيرها وهو لا يتأني لو حمل ذلك على النظر بالمعنى المذكور ضرورة انهم ينظرون إلى غيره تعالى وحيث كان الاختصاص ثابتا كان الحمل على ذلك باطلا وفيه ان التقديم لا يتمحض للاحتصاص كيف والموجب من رعاية الفاصلة والاهتمام قائم ثم لو سلم فهو باق بمعنى أن النظر إلى غيره تعالى في جنب النظر إليه سبحانه لا يعد نظرا كما قيل في نحو {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] على أن ذلك ليس في جميع الأحوال بل في بعضها وفي ذلك لالتفات إلى ما سواه جل جلاله فقد أخرج مسلم والترمذي عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألن تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الله تعالى الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم» وفي حديث جابر وقد رواه ابن ماجه «فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم» ومن هنا قيل: وكثيرا ما يحصل نحو ذلك للعارفين في هذه النشأة فيستغرقون في بحار الحب وتستولي على قلوبهم أنوار الكشف فلا يلتفتون إلى شيء من جميع الكون. وقيل الكلام على حذف مضاف أي إلى ملك أو رحمة أو ثواب ربها ناظرة والنظر على معناه المعروف أو على حذف مضاف والنظر بمعنى الانتظار فقد جاء لغة بهذا المعنى أي إلى أنعام ربها منتظرة وتعقب بأن الحذف خلاف الظاهر وما زعموا من الداعي مردود في محله وبأن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلى بل بنفسه وبأنه لا يسند إلى الوجه فلا يقال وجه زيد منتظر والمتبادر من الإسناد إسناد النظر إلى الوجوه الحقيقية وهو يأبى إرادة الذات من الوجه وتفصى الشريف المرتضى في الدرر عن بعض هذا بأن إلى اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء وهو مفعول به لـ: {ناظرة} بمعنى منتظرة فيكون الانتظار قد تعدى بنفسه وفيه من البعد ما فيه والزمخشري إذا تققت كلامه رأيته لم يدع أن النظر بمعنى الانتظار ليتعقب عليه بما تعقب بل أراد أن النظر بالمعنى المتعارف كناية عن التوقع والرجاء فالمعنى عنده أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه سبحانه وتعالى ويرد عليه أنه يرجع إلى إرادة الانتظار لكن كناية والانتظار لا يساعده المقام إذ لا نعمة فيه وفي مثله قيل الانتظار موت أحمر والذي يقطع الشغب ويدق في فروة من أخس الطلب ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والذار قطني وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}» فهو تفسير منه عليه الصلاة والسلام ومن المعلوم أنه أعلم الأولين والآخرين لاسيما بما أنزل عليه من كلام رب العالمين ومثل هذا فيما ذكر ما أخرجه الدارقطني والخطيب في تاريخه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فقال والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطمهون ويسقون ويطيبون ويحلون ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل» وهذا الحجاب على ما قال السادة من قبلهم لا من قبله عز وجل وأنشدوا: ثم إن أجهل الخلق عندهم المعتزلة وأشدهم عمى وأدناهم منزلة حيث أنكروا صحة رؤية من لا ظاهر سواه بل لا موجود على الحقيقة إلا إياه وأدلة إنكارهم صحة رؤيته تعالى مذكورة مع ردودها في كتب الكلام وكذا أدلة القوم على الصحة وكأني بك بعد الإحاطة وتدقيق النظر تميل إلى أنه سبحانه وتعالى يرى لكن لا من حيث ذاته سبحانه البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعشعاني الذي لا يطاق وقرأ زيد بن علي {وجوه يومئذ نضرة} بغير ألف.{ووُجُوهٌ يوْمئِذٍ باسِرةٌ} أي شديدة العبوس وباسل أبلغ من باسر فيما ذكر لكنه غلب في الشجاع إذا استدت كلوحته فعدل عنه لا يهامه غير المراد وعني بهذا الوجوه وجوه الكفرة.{تظُنُّ أن يُفْعل بها فاقِرةٌ} أي داهية عظيمة تقصم فقار الظهر من فقره أصاب فقاره وقال أبو عبيدة فاقرة من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار وفاعل نظن ضمير الوجوه بتقدير مضاف أي تظن أربابها وجوز أن يكون الضمير راجعا إليها على أن الوجه بمعنى الذات استخداما وفيه بعد والظن قيل أريد به اليقين واختاره الطيبي وان المصدرية لا تقع بعد فعل التحقيق الصرف دون فعل الظن أو ما يؤدي معنى العلم فتقع بعده كالمشددة والمخففة على ما نص عليه الرضى وقيل هو على معناه الحقيقي المشهور والمراد تتوقع ذلك واختاره من اختاره ولا دلالة فيه بواسطة التقابل على أن يكون النظر ثم بالمعنى المذكور كما زعمه من زعمه وتحقيق ذلك إن ما يفعل بهم في مقابلة النظر إلى الرب سبحانه لكون ذلك غاية النعمة وهذا غاية النقمة وجيء بفعل الطن هاهنا دلالة على أن ما هم فيه وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبدا وذلك لأن المراد بالفاقرة ما لا يكتنه من العذاب فكل ما يفعل به من أشده استدل منه على آخر وتوقع أشد منه وإذا كان ظانا كان أشد عليه مما إذا كان عالما موطنا نفسه على الأمر على أن العلم بالكائن واقع لا بما يتجدد آنا فآنا فهذا وجه الإتيان بفعل الظن ولم يؤت في المقابل بفعل ظن أو علم لأنهم وصلوا إلى ما لا مطلوب وراءه وذاقوه ثم بعد ذلك التفاوت في ذلك النظر قوة وضعفا بالنسبة إلى الرائي على ما قرره فلعل هذا حجة على الزاعم لا له أسبغ الله تعالى علينا برؤيته فضله. اهـ.
|